المدن الذكية في مصر .. نقلة حضارية تواجه تحديات

تتوقع الأمم المتحدة أن 70٪ من سكان العالم سيعيشون في المدن والمناطق الحضرية بحلول عام 2050. مما يعني أن الانبعاثات واستخدام الطاقة سيستمران في الارتفاع مع مرور كل عام. لذلك تزداد الحاجة إلى شبكات نقل حضري أكثر ذكاءً، ومرافق للتخلص من المياه صديقة للبيئة، ومباني ذات كفاءة عالية في استخدام الطاقة. ومن هنا ظهر مفهوم المدن الذكية التي تعتمد بشكل رئيسي على التقنيات الرقمية الحديثة.

ما هي المدن الزكية؟

وفقًا لتعريف الاتحاد الدولي للاتصالات؛ يشير مفهوم المدن الذكية المستدامة، إلى المدن المبتكرة التي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها من الوسائل لتحسين نوعية الحياة. وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية ، والقدرة التنافسية. بالإضافة إلى ضمان تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية للأجيال الحالية والمستقبلية”.

وتعد حلول الطاقة النظيفة، والطاقة المتجددة، وإدارة الشبكة، ومراقبة التلوث، ومراقبة النفايات. وإمدادات المياه والصرف الصحي، والأعمال الذكية، والمباني كلها جزء من البيئة الذكية.

ونظرًا لأنه من المتوقع أن يقفز عدد سكان العالم بنحو 33% بحلول عام 2050 . ومع وجود ما يقرب من 70 % من هؤلاء الأشخاص يعيشون في المناطق الحضرية ، ستكون الاستدامة مكونًا رئيسيًا للمدن الذكية في كل مكان.

وتستخدم المباني الذكية أجهزة إنترنت الأشياء (وهو مصطلح برز حديثا، يُقصد به الجيل الجديد من الإنترنت الذي يتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها. وتشمل هذه الأجهزة الأدوات والمستشعرات والحسّاسات وأدوات الذكاء الصناعي المختلفة). جنبًا إلى جنب مع التحليلات المتقدّمة للمساعدة في زيادة عمليات الأعمال الرئيسة والأتمتة المباشرة والضوابط. وتحسين صيانة المباني، والأمان، وإدارة المباني لتحسين استهلاك الطاقة والراحة والخبرة في نهاية المطاف.

وتُقدر صناعة المدن الذكية في العالم بنحو 648.36 مليار دولار. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 6061.00 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب 25.2%.

ويساهم دمج الذكاء الاصطناعي في المدن الذكية، والارتفاع في سوق إنترنت الأشياء، وتطبيقه في المدن الرقمية إلى خلق فرص مربحة في هذه الصناعة.

المدن الذكية في مصر

تستهدف الحكومة المصرية إنشاء 38 مدينة ذكية على مساحة إجمالية تبلغ 530 ألف فدان في جميع أنحاء البلاد. بهدف تطوير البنية التحتية واجتذاب 30 مليون نسمة.

وتنشئ مصر حاليا 14 مدينة ذكية، تتصدرهم العاصمة الإدارية الجديدة، ومدن العلمين الجديدة، الجلالة، المنصورة الجديدة، وسفنكس الجديدة. وتم الانتهاء من تنفيذ نحو 95% من هذه المشروعات حتى الآن.

وتخطط مصر لإنشاء 17 مدينة ذكية أخرى من بينها السويس الجديدة وبورسعيد الجديدة ليرتفع بذلك إجمالي المدن الذكية في مصر إلى 38 مدينة، وتعد “غرب قنا” أول مدينة ذكية في صعيد مصر.

ومن المتوقع أن يصل إجمالي استثمارات المدن الذكية في مصر إلى 700 مليار جنيه، بالشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص.

العاصمة الإدارية الجديدة

في عام 2015، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر، شرق القاهرة، يمكنها أن تستوعب عند اكتمالها 6.5 مليون نسمة.

وتعد العاصمة الإدارية الجديدة أول مدينة ذكية في مصر يتم تأسيسها على مساحة 170 ألف فدان، ما يعادل نحو 714 كيلو متر مربع أي ما يعادل مساحة دولة سنغافورة و4 أضعاف مساحة واشنطن تقريباً.

كما تتولى العديد من كبرى شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تنفيذ البنية التحتية للعاصمة الإدارية الجديدة. حيث دخلت شركتا هانيويل الأمريكية واتصالات مصر في شراكة مع شركة العاصمة الإدارية الجديدة للتنمية العمرانية في يناير 2020 لتطوير منصة “إنترنت الأشياء” على مستوى المدينة الجديدة. والتي ستتضمن “تحليلات البيانات، لوحة معلومات الإدارة على مستوى المدينة، وبوابة مشاركة المواطنين لخدمات المدينة الذكية، وقدرات تطبيقات الهاتف المحمول”.

وتستثمر اتصالات مصر 20 مليون دولار في المشروعات التي تنفذها في العاصمة الإدارية الجديدة وحدها

وأعلنت شركة أورانج مصر عن تصميم وبناء مركز لتقديم الخدمات السحابية للعاصمة الإدارية الجديدة.

وتشمل الخدمات الذكية التي تقدمها شركة أورانج في العاصمة الإدارية الجديدة إدارة حركة المرور وإدارة المرافق الذكية، مثل الكهرباء والمياه والغاز والمراقبة بالفيديو وخدمات المباني الذكية.

وفى عام 2020، وقعت سيمنس عقدًا خاصًَا بالتحالف الذي يضم سيمنس للبنية التحتية الذكية وحسن علام للإنشاءات لإقامة المركز القومي للتحكم في الطاقة بالعاصمة الإدارية الجديدة الذى سيقوم بنشر عدد من البرمجيات والمعدات المتطورة لمراقبة وإدارة والتحكم في شبكات نقل الجهد الفائق (220 كيلو فولت و500 كيلو فولت)، ومحطات توليد الطاقة في جميع أنحاء مصر.

وترتكز البنية التحتية للعاصمة الإدارية على شبكات مراقبة إلكترونيًا من خلال برامج متخصصة تساعد فى عمليات الإصلاح والإحلال والتجديد دون اللجوء الى عمليات الحفر التقليدية، فشبكة المرافق تمر من خلال أنابيب نقل مناسبة لكل شبكة على حدة، ومن خلال غرف تحكم على مسافات متساوية تسمح بسرعة عمليات الإحلال والتجديد والإصلاح دون انقطاع الخدمات فى باقى الشبكات او انقطاع الخدمة عن مناطق واسعة من أحياء العاصمة الإدارية.

تحديات تواجه إنشاء المدن الذكية في مصر

تواجه عمليات التوسع في المدن الذكية بعض المخاوف الأمنية تتعلق بغياب إطار تشريعي يسهم في ضبط تطبيقات المدينة الذكية، ومشكلات انتهاك الخصوصية، بالإضافة إلى نقص التمويل، وضعف البنية التحتية، وارتفاع التكلفة، ونقص الموارد البشرية المؤهلة لتطوير واستثمار تقنية المعلومات والاتصالات.

قال رامي عبد الله مدير مبيعات القطاع العام والمدن الذكية بأفريقيا في شركة أي بي إم، تتزايد الحاجة في مصر إلى الحلول والخدمات القائمة على التكنولوجيا في حياتهم اليومية، خاصة في ظل قلة الموارد الكهربائية والمائية.

ويتفق معه في الرأي فهد أبو العزم، الرئيس التنفيذي لشركة أي إي سي،مؤكدا أن هناك تحديات رئيسية يجب معالجتها قبل إنشاء البنية التحتية للمدن الذكية في مصر، كالاعتماد على التكنولوجيا في إيجاد حلول بديلة لتوفير المياه، والمتوقع أن تواجه عجزًا في المستقبل بسبب التغيرات المناخية أو انحسار مياه نهر النيل، بالإضافة إلى كيفية تشغيل تلك المدن ومستوى الحوكمة الذي سيتم تنفيذه للتعامل مع التحديات الجديدة، ومن بينها دمج التقنيات الرقمية في الحياة اليومية.

اقرأ المزيد : «سوهاج الجديدة» تستعد لطرح 270 قطعة أرض جديدة خلال أيام

متى ظهرت المدن الذكية في مصر؟

قال أحمد حسني خيري نائب الرئيس التنفيذي لشركة دجلة للإنشاءات، إن فكرة استخدام المدن الذكية في القطاع العقاري ظهرت في مصر خلال عام 2008.

وأضاف: “ظهرت المدن الذكية مع إدراك المطور العقاري أن البنية التحتية والخدمات تعد عامل مميز لجذب العميل لمشروعات الشركة، وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم الحلول الذكية لا تقدم خدمات حقيقية.

وأكد أن الأمر حاليًا يتغير ببطْ، حيث يطالب العملاء بمزيد من الأمن والراحة وغيرها من الابتكارات القائمة على التكنولوجيا.

قال حسني الذي تقوم شركته بالتخطيط العمراني لمشروع كايرو فستيفال سيتي، نظرا لأننا أدخلنا تكنولوجيا المعلومات في كايرو فستيفال منذ البداية، لدينا الآن أعلى معدل إقبال في القاهرة الجديدة.

وكمثال حي لتطبيق مفهوم المدن الذكية، ستتطلب جميع المدارس الثلاثة التي يتم إنشاءها في كايرو فستيفال سيتي، من الطلاب امتلاك بطاقات ذكية تتبع حضورهم الدراسي وأماكن تواجدهم، بالإضافة إلى ربط البطاقات الذكية بدفع الرسوم، كما وسيتم إرسال تقارير المتابعة والتحليلات الطلابية تلقائيا إلى أولياء الأمور.

قال هشام الديناصوري رئيس مجلس إدارة شركة جميرا ايجيت للتسويق العقاري، إن الاعتماد على التكنولوجيا في إنشاء المجتمعات السكنية، يحقق قدر أكبر من الربحية للمطوريين العقاريين، حيث توجه تلك النوعية من الوحدات لفئة محددة من العملاء من الطبقات العليا.

وأكد أن شركته تطبق مفهوم المدن الذكية في مشروعيها بالشيخ زايد والساحل الشمالي؛ حيث تم إعداد البنية التحتية للمشروعات بما يسمح بتطبيق كافة الخدمات الذكية.

وأضاف أن تطبيق التكنولوجيا في مشروعات الشركة يرتبط بالخدمات الأساسية التي يحتاج إليها العميل خاصة في كل مايتعلق بصيانة الوحدة السكنية، مشيرًا إلى أن نسبة تطبيق الخدمات الذكية في مشروعات الشركة تصل إلى 70%.

تطبيق تقنيات المدن الذكية

وقال المهندس محمد هاني العسال الرئيس التنفيذي لشركة مصر ايطاليا العقارية، إن شركته تسعى إلى تلبية احتياجات عملاءها من التكنولوجيا بتوفير أفضل الحلول والتقنيات الحديثة فى كافة مشروعات الشركة بالعاصمة الإدارية الجديدة من خلال تطبيق تقنيات المدن الذكية ومنها التقنيات الأمنية وتقنيات ترشيد استهلاك الطاقة وغيرها.

ووقعت مصر إيطاليا مذكرة تفاهم مع شركة هانيويل، وذلك للاستعانة بخبرات هانيويل في مجال الحلول الذكية للمشروعات القائمة والمشروعات التي مازالت تحت الإنشاء.

وأضاف العسال خلال مؤتمر صحفي، من أبرز الأنظمة التي ستقوم هانيويل بتنفيذها هو نظام التحكم المركزي بمشروع كايرو بيزنس بارك الإداري والذى سيلعب دوراً فعالاً فى ترشيد استخدام الكهرباء والتقليل من أعطال المعدات وتعزيز الكفاءة فى إدارة حالات انقطاع الكهرباء، بالإضافة إلى توفير غرف اجتماعات مجهزة بأحدث التقنيات بهدف تسهيل وتسريع العمل والتواصل بين فريق العمل بشكل كبير واختصار الوقت وزيادة الكفاءة.