توقع خبراء ومصرفيون أن تؤدي التحولات الاقتصادية العالمية الحالية، ومع اتجاه العديد من الدول للتحوط عبر اقتناء الذهب بدلًا من العملات الأجنبية الرئيسية، إلى بروز عملة جديدة قائمة على قاعدة من الذهب، بحيث تُقاس قوة اقتصاد الدول اعتمادًا على امتلاكها من المعدن النفيس بدلًا من الاحتياطي الدولاري. ويرى الخبراء أن هذا التوجه يمثل تهديدًا واضحًا لمكانة الدولار كملاذ آمن للدول، في ظل توقعات باستمرار تراجعه خلال الفترة المقبلة.
وتراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة أمام سلة مكونة من ست عملات رئيسية، بنسبة 10.8% خلال النصف الأول من عام 2025، في أكبر انخفاض منذ عام 1973، حين وضع الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون خططًا لفك ارتباط الدولار بالذهب، وهو ما أدى لاحقًا إلى هبوط كبير في قيمته.

النجار: العالم يتجه إلى اقتصاد قائم على الذهب بدلًا من العملات الورقية
توقع محمد النجار، الخبير الاقتصادي، أنه في حال استمرار القلاقل السياسية عالميًا بنفس الوتيرة الحالية خلال فترة حكم دونالد ترامب لأربع سنوات مقبلة، فإن الاقتصاد العالمي سيتحول تدريجيًا من مفهوم النقد الورقي إلى نموذج جديد قائم على العملات المدعومة بالذهب، لتبدأ ملامح النظام الاقتصادي الجديد في الظهور بحلول عام 2050، مدفوعة بصعود التحالفات والتكتلات الاقتصادية الكبرى مثل البريكس، والاتحاد الأوروبي، وتكتل الآسيان.
وأوضح لـ”الاستثمار العربي” أن العودة إلى فكرة التحوط بالذهب، بعد نحو 50 عامًا من التخلي عنها، جاءت نتيجة التطورات العميقة التي شهدها العالم منذ نهاية 2024 وبداية 2025، في ظل المخاوف من هيمنة الأقطاب الكبرى على النظام المالي العالمي، وفرض العقوبات الاقتصادية، إلى جانب التقلبات الكبيرة في أسعار النفط والذهب، وهو ما أعاد التفكير في بديل حقيقي للعملات الورقية.
ورأى الخبير الاقتصادي أن النظام المالي المتوقع لن يشهد عملة واحدة مسيطرة كما هو الحال اليوم مع الدولار، وإنما سيصبح التقييم قائمًا على ما تمتلكه الدول من الذهب داخل بنوكها المركزية. وأشار إلى أنه رغم أن البنوك المركزية غير مهيأة بعد لهذا التحول وتتمسك بالنظام النقدي التقليدي، إلا أن التحول سيحدث تدريجيًا على المدى الطويل.
وأضاف النجار أن العملات لن تتساوى في قيمتها، لكنها ستُقيّم وفقًا للأهمية النسبية وحجم الاقتصاد وقيمة ما تمتلكه كل دولة من ذهب، مشيرًا إلى أنه في النظام الجديد يمكن إجراء معاملات تجارية مباشرة بين دولتين بعملتيهما المحليتين دون الحاجة إلى عملة وسيطة.
وتوقع النجار ظهور عملة جديدة في المستقبل، قد تكون رقمية في بنيتها لكنها قائمة على قاعدة ذهب، وستكون قادرة على توحيد التعاملات بين العملات المختلفة، لتشكّل أحد ملامح النظام الاقتصادي المرتقب.
وأشار الخبير إلى أن قوة الاقتصاد في المنظومة الجديدة ستقاس وفق أربعة عناصر رئيسية وهي حجم الصادرات مقابل الواردات، حجم ما تمتلكه الدولة من الذهب، موقعها وتأثيرها في خريطة التجارة الدولية، وحجم تدفقاتها الدولارية والتجارية العالمية
وأوضح أن موقع مصر في التجارة الدولية، إلى جانب إيرادات قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج، سيجعلها جزءًا من خريطة التوازنات الجديدة.
وأكد النجار أن استمرار الحرب الاقتصادية العالمية هو المحرك الأكبر لهذا التحول، لافتًا إلى أن التصعيد الحالي بين القوى الكبرى، على غرار أزمة فول الصويا بين الصين والولايات المتحدة، يشبه صراع القمح بين روسيا وأمريكا قبل تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو ما يعزز احتمالات تغير الخريطة الاقتصادية في الأعوام المقبلة.

شوقي: الذهب يضغط على العملات الرئيسية والدولار واليورو قد يرتفعان 5% فقط مع هدوء التوترات
أكد الخبير المصرفي أحمد شوقي أن العملات الرئيسية في العالم تشهد موجة تراجعات متتالية نتيجة تصاعد التوترات الجيوسياسية عالميًا.
وأوضح لـ”الاستثمار العربي” أن قرارات الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على الصين وعدد من الدول أدت إلى هبوط الدولار، لينعكس ذلك تلقائيًا على العملات الخليجية المرتبطة به وفقًا لاتفاق البترودولار، إلى جانب تراجع أداء اليورو في الوقت الراهن.
وأشار شوقي إلى أنه في حال انحسار التوترات الجيوسياسية خلال العام المقبل، فمن المتوقع أن تشهد العملات الرئيسية ارتفاعًا طفيفًا لا يتجاوز نحو 5%، وفي مقدمتها الدولار واليورو، وهو ما قد يعيد بعض التوازن النسبي إلى أسواق الصرف العالمية.
وأرجع الخبير المصرفي الضغوط الحالية على العملات العالمية إلى اتجاه عدد كبير من الحكومات والبنوك المركزية لزيادة الاستثمار في الذهب بوصفه الملاذ الأكثر أمانًا للحفاظ على قيمة العملة في ظل اضطراب الأسواق. لكنه أوضح أن هذه الأداة الاستثمارية – رغم قوتها في التحوط – لا تضيف قيمة إنتاجية أو تدعم الاقتصاد بقدرات تشغيلية أو صناعية، وهو ما يظل أحد أبرز الانتقادات الموجهة للاعتماد المفرط على الذهب.
وبحسب تحليلات “بلومبيرج”، فإن التوقعات تشير إلى حدوث مزيد من التدهور في قيمة الدولار الأمريكي، على المدى الطويل، بعد ارتفاع قيمته بأكثر من 50% على مدى 15 عاماً، مقابل سلة من العملات الرئيسية، وذلك في الفترة من نهاية الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون الأوروبية بين عامي 2008 و2011، وحتى تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية في عام 2025.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=451042
