بقلم الزميل حسين صبحى .. عضو نقابة الصحفيين
عندما يختار أحدهم الرحيل المبكر فإنه يفتدينا بنفسه ليرشدنا إلى الحقيقة ويوقظنا من غفلتنا، فيقول لنا بروحه لا بلسانه.. إنه الموت .. إنه الموت فاستعدوا له، إنه الموت الذى لا يأبه لقوتك ولا لصغر سنك ولا تعنيه أحلامك ولا طموحاتك فى شىء، ولا يهتم لمن حولك من محبيك وأشد الناس إليك احتياجاً، فيختطفك من بينهم اختطافاً متى شاء وكيف شاء، ولا يُبقى إلا كلمةً واحدة يصرخ بها فى وجداننا ليقول …”استعدوا”…
لقد رحل صديقنا رحيلاً مفاجئاً لينذرنا به ويحذرنا من غرور الدنيا ولهوها، إذ طالما قالها لنا فى حياته واعتاد أن يقولها فى جميع أحاديثه معنا فى هزله وفى جده : “الدنيا مش مستاهلة يا صديقى”.. “والله ما مستاهلة” بنبرته الحميمة وأسلوبه المحبوب.. ولم نكن ننتبه لمقالته المعتادة هذه ولا نمنحها أى اهتمام لنستكمل معه حديثاً مليئاً بالبهجة والابتسامة والارتياح.
ولأنه كان مختلفاً دائماً وكما كان يحب أن يبدوا فريداً ومتميزاً أراد أن يقولها لنا هذه المرة بطريقة مختلفة ولكنها أكثر تأثيراً وأشد ألماً حتى لا نتجاهلها بعد اليوم، بل أراد أن يتمثلها وكأنها رسالته فى هذه الحياة، عاش يرددها بتلقائية ثم رحل رحيلاً مفاجئاً يعلمنا جميعاً أن “الدنيا مش مستاهلة” لعلنا ننتبه لها هذه المرة وندرك معناها ونعمل بمقتضاها.
إنها الموعظة الحسنة والرسالة الأخيرة لصاحبكم الشاب القوى الطموح بدوى شلبى يقولها لنا بالبرهان المبين : “استقيموا فالموت يأتى بغتة”.
فنسأل الله أن يتقبل توبتنا ويجعل استقامتنا من بعده فى ميزان حسناته وقد دفع ثمنها من حياته التى لم تكتمل، ومن أحزان أمه وزوجته ويُتم طفلتيه الصغيرتين، فاللهم ألهمهم الصبر والسلوان وجازهم خير الجزاء وأجزل لهم العطاء، وكن لهم خير معين، واشملهم اللهم بعنايتك ورعايتك التى تغنيهم بك عمّن سواك.
اللهم تقبل دعاء قلمى هذا الذى طالما شجّعه وأثنى عليه وقد نصحنى قبل أعوام بالاستمرار فى كتابة مقالات الرأى ذات الأسلوب المتميز على حد وصفه المُشجّع، ولكنى لم أكن من هواة كتابة المقالات، ولم أكن أعلم أن مقالى الثانى سيكون فى رثاءه والدعاء له بالرحمة والمغفرة، فاللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تشملنا وصديقنا برحمتك وتجمعنا به فى الفردوس الأعلى مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=48624