تتوالى الإعلانات عن اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي تُضاف إلى خريطة الإنتاج، بما يسهم في رفع المعروض المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، خاصة في ظل ارتفاع مستويات الاستهلاك. وقدمت مصر خلال الفترة الأخيرة حوافز إضافية للشركات الأجنبية لزيادة إنتاج الغاز، من بينها السماح بتصدير جزء من حصتها في الاكتشافات الجديدة، واستخدام عائدات هذا التصدير في سداد مستحقاتها المتأخرة، بما يضمن تسريع عمليات التنمية والإنتاج في الحقول المختلفة.
وأظهرت البيانات الرسمية تسجيل قفزة كبيرة في واردات الغاز الطبيعي خلال عام 2024 بنسبة 103.3%، لتصل إلى 4.90 مليار دولار، مقابل 2.41 مليار دولار في 2023، بزيادة قدرها 2.48 مليار دولار، وهو ما يعكس اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
وفي المقابل، تراجعت قيمة الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي والمسال بشكل حاد خلال العام الماضي، لتسجل 313.8 مليون دولار، مقارنة بنحو 2.56 مليار دولار في 2023، بتراجع بلغ 2.25 مليار دولار، نتيجة انخفاض فائض التصدير وتزايد احتياجات السوق المحلي خلال فترات الذروة.
وخلال الفترة من يوليو الماضي وحتى أكتوبر الماضي، سجلت الدولة تحقيق 18 كشفًا جديدًا للبترول والغاز، تم بالفعل إدراج 13 كشفًا منها على خريطة الإنتاج، بإجمالي معدلات يومية تصل إلى 14 ألف برميل من الزيت الخام و44 مليون قدم مكعبة من الغاز، بما يعكس استمرار جهود التوسع في عمليات البحث والتنمية لزيادة المعروض المحلي وتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
وتواصلت “الاستثمار العربي” مع عدد من خبراء قطاع البترول والطاقة لطرح تساؤل حول مدى قدرة الاكتشافات البترولية الحالية على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي خلال المرحلة المقبلة.
القليوبي: الاكتشافات الأخيرة محدودة ولا تكفي لتغطية الاستهلاك ونحتاج لاكتشافات كبيرة
أكد جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، أن الاكتشافات البترولية التي تحققت خلال الفترة الأخيرة تُعد محدودة ولا تكفي لتغطية كامل الاستهلاك المحلي، موضحًا أنها تأتي في إطار مواكبة خطط التنمية وتطوير القطاع وتغطية جزء من العجز في احتياجات الدولة من الغاز، مشددًا على أن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي يرتبط باكتشافات أكبر وأكثر قوة.
وأوضح أن نحو 25% من استهلاك مصر من الغاز يُغطى عبر الاستيراد، إذ يصل الاستهلاك اليومي إلى 6.3 مليار قدم مكعبة، بينما يبلغ الإنتاج المحلي نحو 4.3 مليار قدم مكعبة فقط، ويتم استيراد أكثر من 2 مليار قدم مكعبة لسد الفجوة.
وأشار القليوبي إلى أنه رغم استيراد 47% من السلع الوقودية، فإن الحكومة تعمل على تقديم حوافز وتيسيرات واسعة في قطاعات البترول والغاز والتعدين، بهدف توطين الصناعات المرتبطة بهذه القطاعات الحيوية وتعزيز قدراتها الإنتاجية.
فؤاد: هناك فارق بين الإعلان عن أي اكتشاف ودخوله التنفيذ يتراوح بين عامين إلى 3 أعوام
قال محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، إن حجم الإنتاج المحلي من الغاز يبلغ نحو 4 مليارات قدم مكعبة، بينما يصل الاستهلاك في فترات الذروة إلى 7.5 مليارات قدم مكعبة، ويبلغ متوسط الاستهلاك نحو 6.5 مليارات قدم مكعبة، ما يخلق فجوة تصل إلى 2.5 مليار قدم مكعبة.
وأشار إلى أن الفارق بين الإعلان عن أي اكتشاف جديد ودخوله مرحلة التنفيذ يتراوح بين عامين إلى 3 أعوام، موضحًا أن إجمالي الاحتياطيات التي تم اعتمادها حتى الآن لا يستطيع سد العجز القائم أو تغطية الفارق بين الإنتاج والاستهلاك في السوق المحلي.
ولفت فؤاد إلى وجود حالة ضبابية بشأن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الذي تم الإعلان عنه في عام 2021، في ظل استمرار الفجوة الحالية وعدم كفاية الاكتشافات المعتمدة لتحقيق التوازن المطلوب.
نصر: ارتفاع استهلاك مصر من الغاز والكهرباء يزيد الضغوط على توازن الإنتاج والاستهلاك
ومن جانبه قال حسن نصر، رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن استهلاك مصر من الغاز يرتفع سنويًا بنسبة تتراوح بين 10 و15%، مدفوعًا بتوسع الدولة في جذب صناعات جديدة كثيفة الاعتماد على الطاقة.
وأضاف أن استهلاك شبكات الكهرباء من الغاز ارتفع خلال السنوات الثلاث الأخيرة بنحو 20% خلال فصل الصيف، ما يزيد الضغوط على توازن الإنتاج والاستهلاك.
وأشار نصر في تصريحاته لـ”الاستثمار العربي” إلى أن الاكتشافات المتتالية التي تعلنها وزارة البترول لا يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي في الوقت الحالي، إلا إذا جرى تحديد الاحتياجات السنوية بدقة وزيادة عدد الحقول والكميات المستخرجة منها، مؤكدًا أن الوصول إلى هذا المستوى لن يحدث قبل مرور 3 إلى 4 سنوات على الأقل.
ونوه إلى جهود الدولة في جذب شركات عالمية للعمل في عمليات البحث والاستكشاف، مشيرًا إلى دخول عدة شركات جديدة إلى السوق المصري خلال 2025، مع توقعات بجذب شركات إضافية في 2026 في مناطق متنوعة من بينها البحر الأحمر.
وأكد أن السماح للشريك الأجنبي ببيع حصته من الاكتشافات في الخارج يعد أحد أهم الحوافز التي تشجع الشركات على الاستثمار في السوق المصري.
عرفات: مصر تستهلك كميات تفوق إنتاجها نتيجة توسعها في الصناعات كثيفة الطاقة
قال حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة، إن هناك فارقًا واضحًا بين الاحتياطي المتوقع لأي اكتشاف جديد والاحتياطي الفعلي الذي يظهر بعد دخول الحقل مرحلة الإنتاج، موضحًا أن التقديرات الأولية لا تعكس بالضرورة حجم الإنتاج الحقيقي. وأضاف أن المدة الزمنية لوصول أي اكتشاف إلى مرحلة التشغيل تختلف من حقل لآخر وفقًا لظروف الإنتاج والتجهيزات الفنية، إلى جانب تأثير العوامل الجوية.
وأشار في تصريحاته لـ”الاستثمار العربي” إلى أن اكتشاف حقل ظهر كان في عام 2015، بينما بدأ الإنتاج الفعلي منه في 2018، لافتًا إلى أن الإنتاج المحقق تجاوز التوقعات الأولية. وأوضح أن إعلان مصر الاكتفاء الذاتي جاء خلال تلك الفترة، كما تم تصدير شحنة غاز إلى أوروبا في عام 2022 خلال الحرب الروسية الأوكرانية بقيمة 8.4 مليارات دولار، قبل أن تتراجع الإمدادات لاحقًا مع ارتفاع احتياجات السوق المحلي، ما دفع الدولة للعودة إلى الاستيراد.
ونوه عرفات إلى أن سداد مستحقات الشركاء الأجانب يسهم بشكل مباشر في تسريع عمليات التنمية والتطوير في الحقول، وهو ما انعكس خلال السنوات الأخيرة في ضمان تغطية احتياجات محطات الكهرباء خلال فصل الصيف دون انقطاعات.
وأوضح أن مصر تستهلك كميات تفوق إنتاجها نتيجة توسعها في الصناعات كثيفة الاعتماد على الطاقة، وعلى رأسها صناعة البتروكيماويات، إلى جانب زيادة عدد الشركات العالمية العاملة في هذا القطاع. وأضاف أن الدولة تعتمد على استيراد الغاز المسال لتغطية جزء من احتياجاتها، ثم إعادة تحويله إلى صورته الغازية باستخدام وحدات التغييز.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=464340
