خلال الليلة الفاصلة بين يومي 14 و15 إبريل 1912، كان العالم على موعد مع واحدة من أسوأ وأشهر الكوارث البحرية. فبعد نحو ساعتين وأربعين دقيقة من ارتطامها بجبل جليدي في عرض المحيط الأطلسي، غاصت سفينة التيتانيك نحو القاع متسببة في مقتل ما لا يقل عن 1500 من ركّابها.
وأسفرت هذه الكارثة البحرية، التي تناقلت الصحف العالمية أخبارها وألهمت بوقائعها الأجيال القادمة، عن وفاة العديد من الشخصيات العالمية الهامة. فإضافة لرجل الأعمال الألماني الأميركي إيسيدور شتراوس (Isidor Straus) ورجل الأعمال الأميركي بنجامين غوغنهايم (Benjamin Guggenheim) ومواطنه فاحش الثراء جون جاكوب أستور الرابع (John Jacob Astor IV)، شهدت هذه المأساة غرق مصمم سفينة التيتانيك الذي فضّل السفر على متنها أثناء رحلتها الأولى بين كل من ساوثهامبون ونيويورك.
ولد توماس أندروز (Thomas Andrews) يوم 7 شباط/فبراير 1873 بمنطقة كومبر بمقاطعة داون بإيرلندا الشمالية لعائلة ثرية ومرموقة ذات مكانة هامة حيث كان الأخير واحدا من أقرباء اللورد بيري الذي صنّف حينها كأحد أهم مالكي مؤسسة هارلند آند وولف (Harland and Wolff) المختصة في الهندسة البحرية وصناعة وإصلاح السفن.
وفي السادسة عشرة من عمره، غادر توماس أندروز مقاعد الدراسة بالمعهد الملكي ببلفاست ليلتحق بمؤسسة هارلند آند وولف. وبفضل سرعة تعلّمه وإتقانه لمهامه، تسلّق أندروز بسهولة سلّم الرتب ليتحوّل لأحد أهم مصممي السفن بالمؤسسة وأصبح بحلول العام 1901 عضوا بمعهد مهندسي البحرية.
وخلال مسيرته الحافلة، ساهم توماس أندروز في وضع تصاميم العديد من السفن الشهيرة. فإضافة لسفن أوسيانيك (Oceanic) والبلطيق (Baltic)، لعب أندروز دورا حاسما في تصميم سفينة التيتانيك وشقيقتها أولمبيك (Olympic). وبحوض بناء السفن، كسب هذا المهندس احترام جميع العمال بفضل اهتمامه بمشاغلهم وتقرّبه منهم.
ومع اكتمال بناء التيتانيك، احتجّ توماس أندروز على وجود عدد ضئيل من قوارب النجاة على متنها لإنقاذ الركّاب في حال وقوع الكارثة، فطالب بتزويدها بنحو 46 قارب نجاة لضمان سلامة جميع الركّاب. وقوبل طلب المهندس الإيرلندي بالرفض حيث تشاءم مسؤولون بشركة وايت ستار لاين للنقل البحري من مظهر السفينة في حال تزويدها بهذا الكم الهائل من قوارب النجاة وتخوّفوا من تأثير ذلك على إقبال الزبائن الأثرياء عليها. ولتبديد مخاوف أندروز، طمأن المسؤولون المهندس الإيرلندي بوجود قوارب نجاة تخطى عددها ما نصت عليه معايير السلامة الدولية.
وبسبب تجاهل نصائح توماس أندروز، انطلقت التيتانيك محمّلة بقوارب نجاة كافية لإنقاذ 1178 شخصا وهو رقم يعادل نحو نصف إجمالي عدد ركابها المقدّر بما يزيد عن 2200 راكب.
وعقب ارتطام التيتانيك بجبل جليدي في عرض المحيط الأطلسي، لعب توماس أندروز دورا هاما في إنقاذ عدد كبير من الركّاب. فبينما تجاهل كثيرون الحادثة واعتبروها عرضية وانتظروا الإبحار مجددا نحو نيويورك، أجرى أندروز بعض الحسابات ودقق في السفينة ليعلن للقبطان أن غرقها مسألة وقت وأن التيتانيك ستغوص بشكل حتمي نحو الأعماق خلال فترة زمنية قد لا تتجاوز الساعتين.
بفضل تحذير المهندس ومصمم السفن الإيرلندي، انطلقت جهود الإنقاذ على متن التيتانيك بشكل مبكر لتسفر في النهاية عن نجاة حوالي 700 راكب. وخلال الفترة التي سبقت غرق السفينة، تنقّل المهندس أندروز، حسب شهادة العديد من الناجين، بين مختلف أرجاء السفينة ليحذّر الركاب ويطالبهم بارتداء سترات النجاة وثياب ملائمة لمقاومة البرد استعدادا للمغادرة.
وعلى الرغم من كل هذه المجهودات، تواجد توماس أندروز ضمن قائمة ضحايا التيتانيك المقدر عددهم بحوالي 1500 شخص حيث غرق الأخير مع السفينة التي صمّمها ليفارق الحياة عن عمر يناهز 39 سنة.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=3145