بحسب بيانات البنك المركزي، عن ميزان المدفوعات، سجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام المالي الماضي نحو 5.9 مليار دولار مقابل نحو 7.7 مليار دولار خلال عام 2017-2018، وذلك بنسبة تراجع 23.5% نتيجة لارتفاع التدفقات للخارج بما يفوق ارتفاع التدفقات للداخل .
انخفاض الاستثمارالأجنبي المباشر للعام الثاني على التوالي، على الرغم من تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بنجاح، جاء كنتيجة لانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا تحت وطأة تنامي مخاطر الاقتصاد العالمي، وتصاعد نزعة الحماية التجارية فالتوترات التجارية العالمية عادة ما تحد من تحركات رأس المال.
بحسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، تراجع الاستثمارالأجنبي المباشر عالميا بنسبة 13% خلال عام 2018، حيث انخفضت التدفقات الاستثمارية من 1.5 تريليون دولار في السنة السابقة عليها إلى 1.3 تريليون دولار.
ولكن التقرير ذاته أشار إلى أن أفريقيا نجت من تبعات الانخفاض العالمي في الاستثمارالأجنبي المباشر، وبلغ الاستثمار الأجنبي في القارة 46 مليار دولار عام 2018، بزيادة قدرها 11% عن العام السابق، وظلت مصر الأكثر استقطابا للاستثمارات الأجنبية بالمنطقة و هو ما ادي لارتفاع نسبة مصر من اجمالي الاستثمار العالمي رغم تراجع القيمة مع حفاظها لثلاثة اعوام متتالية علي صدارة الدول الجاذبة للاستثمار الاجنبي في افريقيا و المركز الثاني علي مستوي المنطقة العربية .
من جانبة خفض صندوق النقد الدولي من توقعاته لصافي الاستثمار الاجنبي المباشر في مصر ، مع نهاية العام المالي الحالي 2019-2020 إلى 8.1 مليار دولار ،هبوطا من 11.2مليارا قدرها الصندوق ضمن المراجعة الرابعة للاقتصاد المصري التي كشف عنها أبريل الماضي وأعاد الصندوق تقدير صافي الاستثمارات الاجنبية المباشرة المتوقعة في العام المالي المقبل ، في تقرير المراجعة الخامسة للاقتصاد المصري ، ليخفضها من تقدير سابق عند 12.6 مليار دولار إلى 9.8 مليارا في 2020-2021.
وتوقع الصندوق أن يستمر صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر على وتيرة متصاعدة ليسجل 11.3 مليار دولار عام 2021-2022 و 13 مليارا في العام 2022-2023 ، حتى يصل إلى 14 مليار دولار خلال 2023-2024.
على المستوى المحلي، فمن بين أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، وجود اختلالات هيكلية تقف في طريق الاستثمار، ومنها استمرار البيئة الحالية ذات أسعار الفائدة المرتفعة نسبيا بعد التخفيضات الاخيرة فالزيادات المتتالية في أسعار الفائدة أثرت على تدفقات الاستثمار بكافة أشكاله، فتلت كل زيادة في أسعار الفائدة انخفاض في الاستثمار الخاص حيث أن ارتفاع تكلفة التمويل أدى إلى عزوف المستثمرين عن ضخ استثمارات جديدة، ومن ناحية أخرى فارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى توجيه فوائض الأموال المتاحة للاستثمار لشراء أدوات الدين لارتفاع العائد وانخفاض المخاطر.
كذلك كان هناك تاثير للترتيب العالمي لبيئة الأعمال فرغم ان مصر كانت من بين البلدان الأكثر تحسنا في مؤشر البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال، لكنها جاءت أيضا في مرتبة متأخرة، كما تحتل مصر المرتبة 93 من بين 140 دولة في مؤشر التنافسية العالمي، التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي و هو ما يستدعي جهودا متكامله لتحسين ترتيب مصر في هذه المؤشرات و بقوه .
سيظل قطاع النفط والغاز و التعدين الهدف الرئيسي لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر علي المدي القصير في ضوء الاكتشافات الجديده الا ان انخفاض أسعار الفائدة وتنامي ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري من شأنه أن يدعم تدفقات الاستثمارالأجنبي المباشر إلى القطاعات الأخرى ، ومع ذلك فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة تحتاج إلى أكثر من مجرد تحسن في أسعار الفائدة فهناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية إضافية تعالج العوائق الاستثمارية، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال، ومرونة سوق العمل ومكافحة البيروقراطية و زيادة الشراكه مع القطاع الخاص .
و نتيجة لذلك فيجب تبني منهج متكامل لاليات تنشيط الاستثمار الأجنبي بدء من استكمال إصلاح البيئة التشريعية بحيث تصبح أقل تعقيداًوأكثر شفافية بجانب تشجيع المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مع توفير حوافز تشجيعية في إطار قانون الاستثمار الجديد وإعطاء أولوية لتنمية المناطق الواعدة .
يستدعي الامر ايضا بناء شبكة علاقات قوية تتضمن كافة الجهات المعنية بالاستثمار، الحكومية وغير الحكومية، تجمعات المستثمرين ورجال الأعمال في مصر وخارجها، السفارات ومكاتب التمثيل التجاري الخارجية والبعثات الأجنبية في مصر، بالإضافة إلى وكالات ترويج الاستثمار في الخارج وذلك من خلال عقد لقاءات واجتماعات دورية مع الترويج للمشروعات المطروحة من المحافظات في القطاعات المستهدفة ذات المزايا التنافسية بما يعكس رؤية الدولة للتنمية القطاعية والإقليمية وبما يحقق التنمية المتوازنة المستدامة بالتنسيق مع الوزارات المعنية للعمل على تجميع كافة الفرص الاستثمارية المتاحة لدى كافة الوزارات وهيئاتها التابعة.
قد يمثل احد محفزات الاستثمارات استبدال التشريعات العديدة الخاصة بالأراضى بقانون موحد ومبسط لإدارة أراضى الدولة. بجانب زيادة مخصصات هيئة التنمية الصناعية من الأراضى لطرحها على المستثمرين وفق آليات موضوعية وشفافة و أن يرتبط دعم الصادرات أو استبدال الواردات بمجموعة من الحوافز غير النقدية، مثل تخصيص الأراضى وترفيقها، وتدريب العمالة، وحوافز جمركية وضريبية، وتشجيع إدخال تقنيات إنتاج حديثة، ، وتعديل نظام المساندة التصديرية بما يضمن تعميق الصناعة ومنح الدعم لمن يستحق.
عنصر اخر هام في منظومه الجذب الاستثمار و هو إن المناطق الحرة باتت تشكل عنصراً أساسياً في المنظومة الاقتصادية الشاملة التي تساهم في نمو الناتج الإجمالي ، كما أنها أحد الحلول المبتكرة التي لجأت إليها دول العالم للاستثمار في صناعة المستقبل، وتحقيق الازدهار الاقتصادي و هو ما يستدعي التوسع في إنشاء مناطق حرة جديده بهدف جذب المستثمرين عبر توفير مزايا تنافسية وخدمات عالمية.
و بالنظر على مستوى العالم، فإن المناطق الحرة تساهم بدور رئيسي في تطوير وتنمية الاقتصاد العالمي، وتلعب دوراً مهماً في استقطاب الاستثمارات في مجالات صناعية وتجارية وخدمية متنوعة رئيسية، وتساهم في تسهيل تدفق رؤوس الأموال، وتنشيط الاقتصاد وقطاعاته، وتطوير القدرات البشرية، وخلق الوظائف، بالإضافة إلى مواكبة أحدث التوجهات الاقتصادية ، و تعد كذلك جزءاً مهماً من جهود استشراف المستقبل، والاستفادة من المتغيرات العالمية في تأسيس بنية اقتصادية تحتية مبتكرة. ووفقاً لتقديرات (الأونكتاد)، فهناك الآن أكثر من 4800 منطقة اقتصادية خاصة في جميع أنحاء العالم.
و ترتفع الاستثمارات الأجنبية في المناطق الحرة من خلال العديد من العوامل مثل الموقع الاستراتيجي والجغرافي للمنطقة الحرة، وقربها من خطوط النقل الجوي والبحري العالمية، والطرق التجارية التقليدية والمبتكرة، والبنية التحتية، وتوفير الخدمات، ومرونة القوانين والأنظمة الحكومية، بالإضافة إلى الحجم الإجمالي للمنطقة الحرة، وتوفر الأراضي التي يمكن الاستثمار فيها عبر تطويرها وتوسيعها لتتلاءم مع المتطلبات المتغيرة للشركات.
من ناحية اخري فضرورة للتركيز على تنفيذ ومتابعة برنامج تعميق التصنيع المحلى لزيادة القيمة المضافة للمنتجات المصرية، وإعداد برنامج إصلاح هيكلي لقطاع الصناعة يركز على حل مشكلات الصناعة بدءا من مرحلة الإنشاء وحتى الإنتاج والتصديرو الاستفادة من الحوافز التي أعلنتها الحكومة لجذب استثمارات في الصناعات التكنولوجية لتصنيع منتجات ذات قيمة مضافة مرتفعة، والاهتمام بالتعليم الفني واستحداث مدارس ومعاهد فنية مؤهلة لسوق العمل تتناسب مع أنواع الصناعات التي تسعى مصر لتوطينها وتحقيق ميزة تنافسية بها، وحل مشكلات منظومة النافذة الواحدة التي تم البدء في تنفيذها بمصلحة الجمارك، والتي لم تحل مشكلة تأخر مدة الإفراج الجمركي، وربطها بجميع الجهات المتعاملة مع الجمرك، وتطوير منظومة النقل البرى والاستفادة من السكك الحديدية في عملية نقل البضائع .
من جانب اخر و بعد التعديل التشريعي لقانون الاستثمار بتكليف هيئة الاستثمار باحتساب قيمة الاستثمار الاجنبي المباشر فيجب اعادة احتساب قيمة الاستثمار الاجنبي المباشر من خلال منهج جديد فبعض الاستثمارات الأجنبية يتم إدراجها بشكل خاطئ ضمن استثمارات الحافظة (PI) لان مساهمتها تمثل أقل من 10% من رأسمال الشركة المستثمر فيها، ولكن عند أخذ عوامل أخرى في الاعتبار مثل القوة التصويتية للمساهم أو وجود علاقة بين أثنين أو أكثر من المساهمين الأجانب، نجد أن تلك الاستثمارات تستوفي تعريف الاستثمار الأجنبي المباشر.
كما ان بعض القروض الممنوحة من قبل الشركة الأم أو الشركات الشقيقة للمساهم الأجنبي لا تظهر ضمن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وذلك لأنها لا يتم تحويلها بشكل مباشر من خلال النظام البنكي. مثال على ذلك الآلات ومستخدمات الإنتاج المستورة التي تقوم الشركة الام أو أحد الشركات الشقيقية بسداد تكاليفها ذلك بالاضافة الي ان الأرباح المعاد استثمارها لا يتم إدراجها ضمن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلا في حال قيام الشركة بزيادة رأسمالها باستخدام تلك الأرباح، اما الأرباح المحتجزة والتي تظهر في حقوق الملكية للمساهمين لا تأخذ في الاعتبار عند حساب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
يجب الاخذ في الاعتبار أن المشروعات الجديدة غالبا تنفذ علي فترات تتراوح ما بين سنتين الي اربع سنوات او علي فترات أطول من ذلك، لذا فالاستثمارات الحالية قابلة للزيادة بقيم اعلي خلال السنوات التالية خاصة في ضوء تحسن مناخ الاستثمار في ضوء الجهود التي تبذل في سبيل ذلك .
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=5990