إذا كان هناك مجال ما بحاجة لإعادة الترويج، ستأتي العملة الرقمية في المقدمة.
وتتواتر أخبار النصب والتحايل باستمرار، ما بين قرصنة عمليات تبادل العملة، ووصولا إلى اختفاء أحد مصدري العملة بعد سرقة أموال العملاء.
وأصدرت هيئة الأمن والتبادل الأمريكية قرارا يوم الأثنين الماضي بإدانة امرأة، أسست متجرا إلكترونيا لبيع منتجات خاصة بالبالغين، بالاحتيال عن طريق إصدار عملات رقمية.
وتتعلق هذه القضية بعشرات الآلاف من الدولارات، وهو مبلغ زهيد مقارنة بواقعة النصب الأكبر، التي عُرفت بوحش الاحتيال عن طريق العملة الرقمية.
وساهم المستثمرون في ما رُوّج له بأنه رؤية جديدة للأموال، تقدمها الدكتورة روجا إغناتوفا، في سلسلة من الفعاليات حول العالم. كانت إحداها في ملعب ويمبلي في لندن عام 2016.
والدكتورة روجا، كما عرفها جمهورها، كانت تخاطب الحشود وتخبرهم بالتقدم الذي تحققه “وان كوين”، وأنها في طريقها للتفوق والاستحواذ على بيتكوين، والقضاء على “كل العملات الزائفة التي تُقلد فكرتنا”.
واقتنع الكثيرون بالفكرة، من بينهم نجوم أحد البرامج الإذاعية عن طريق الإنترنت، وهي اسكتلندية من غلاسغو، إذ استثمرت عشرة آلاف يورو في الشركة التي تعرض العملة، ومقرها بلغاريا. كما أقنعت أفراد عائلتها باستثمار مبالغ وصلت إلى 250 ألف يورو.
لكن في عام 2017، اختفت الدكتورة روجا، ولم يشاهدها أحد منذ ذلك الحين.
وكشف التحقيق الذي أجراه معدو البرنامج مدى نجاح “وان كوين” في نشر رسالتها حول العالم. وتوضح وثائق خاصة بالشركة أن أفراد من 175 دولة استثمروا أموالهم في الشركة. كما أن أغلب الاستثمارات جُمعت خلال ستة أشهر من عام 2016، أثناء جولة قامت بها الدكتورة روجا.
وبلغت استثمارات المقيمين في المملكة المتحدة في هذه الفترة 26 مليون جنيه استرليني. ويذكر فريق البرنامج أن إجمالي الاستثمارات البريطانية في هذه العملة بلغ 96 مليون جنيه استرليني.
كذلك تظهر الوثائق أن الصين وحدها ساهمت بحوالي 427 مليون يورو عام 2016، وتبين أن عدداً كبيراً من الاستثمارات جاء من كوريا الجنوبية، وهونغ كونغ، وألمانيا.
ولم تغِب البلدان الفقيرة عن المشهد، إذ شارك مستثمرون من فيتنام وبنغلاديش وأوغندا بمبالغ غير قليلة.
وصدر حكم غيابي العام الماضي على الدكتورة روجا في الولايات المتحدة، بتهمة غسيل الأموال. وقالت وزارة العدل إن “وان كوين” ما هي إلا أحد الأشكال التقليدية للتحايل.
وبالفعل، تبدو الكثير من فضائح العملة الرقمية متكررة بالنسبة لأي شخص عمل في الصحافة المالية لفترة، فهي نفس الحيل تُستخدم بأسلوب تكنولوجي متقدم.
وفي عام 2016، كانت عملة بيتكوين أحد أشكال الثورة على النظام المالي القديم، وأصبحت “بلوك تشاين” على وشك أن تكون أكثر أهمية من الإنترنت، وخدمة “طرح العملة الأساسية” كادت أن تلقن “وول ستريت” درسا في أن فكرة الاكتتاب تنتمي “للقرن الماضي”.
واليوم، بعد التراجع الرهيب في قيمة العملات الرقمية، وتجلي فشل كل منها في تحقيق الوعود التي قدمتها للعملاء (حتى ولو لم تكن بسبب الاحتيال)، أصبحت كلمة “رقمية” خطرا على أي مشروع جديد.
وجالت بخاطري هذه الفكرة أثناء حضور جلسة تعريفية في فيسبوك حول عملته الرقمية الجديدة “ليبرا”. وكانت الجلسة بشأن شراكة جماعية لـ 28 جهة، من بينها فيزا، وباي بال، وأوبر، وسبوتيفاي، التي ستنضم لفيسبوك في إطلاق العملة الجديدة.
وقوبلت الفكرة بالكثير من المعارضة بالفعل، فيقول رئيس الرابطة، بيرتراند بيريز، إن الكثير من هذه المعارضة يرجع إلى كلمة “الرقمية”.
وكان يمكن لهذه الشراكة الكبيرة ابتكار طريقة جديدة للسداد، بحيث لا تكون عملة رقمية ولا تعتمد على فكرة السلسلة المغلقة.
لكن هناك إصرار على فكرة السلسلة المغلقة كأساس لمشروع “ليبرا”، كونها أقل عرضة للتحايل، وسريعة، وذات كفاءة “فهذه التكنولوجيا ستكون مستقبل إرسال واستقبال النقود”.
والمفارقة هي أن هذه كانت بالضبط الرسالة التي روجت لها الدكتورة روجا امام الحضور في ملعب ويمبلي، بأن “وان كوين” ستكون “بلا حدود، وآمنة، وسهلة الاستخدام”.
بالتأكيد تقدم “ليبرا” نوعا مختلفا من الخدمة، إذ تدعمها مؤسسات ذات ثقل وسمعة طيبة، وتعهدت بعدم إطلاق العملة إلا بعد إرضاء المشرعين.
لكن الصراع الحقيقي سيكون في إقناع الحكومات بأن هذه العملة لن تكون مجالاً لأنشطة غسيل الأموال، أو تشكل خطرا على الاستقرار الاقتصادي.
وبالعودة إلى “وان كوين”، ترفض الشركة المصدرة لها كل الاتهامات بالاحتيال، وتقول إنها “تستوفي كل شروط العملة الرقمية”.
كما تقول إن البرنامج الإذاعي “لن يقدم معلومات حقيقية، ولا يمكن اعتباره موضوعياً وغير متحيز”.
كما تقول الشركة إن هناك من يتصدى للاتهامات التي تروج عالميا بشأنها، “فشركاؤنا وعملاؤنا ومحامونا نجحوا في مجابهة هذا الحراك العالمي (ضد الشركة)، ونحن على يقين من أن رؤيتنا لنظام جديد قائم على “ثورة مالية” ستكون لها الغلبة”.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=3367