جريدة الاستثمار العربى الان السوق يأتى اليك اقتصادية متخصصة
رئيس التحرير وليد عبد العظيم

من رحم تسونامي كورونا تخلق الفرص ..

بقلم – إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار
مستشار أول سابق بوزارة الاستثمار
جاء تسونامى كورونا من الصين ليغرق فيه معظم دول العالم المتقدم قبل النامى.. فقد اتنتقل من ازمة صحية محلية الى تسونامي عالمي لم يرحم احدا تهاون معه فردا او دولة.. وجعل من اوروبا بؤرة اخرى لتسونامى مضاعف لانتشار الفايروس ترتب عليه تعميق الخسائر .. ثم لتنتشر الى باقى دول العالم من غربه فى الامريكتين الى شرقها حيث تفشت وتعولمت الى منطقة الشرق الاوسط بما فيها المنطقة العربية.. ومنها مصر التى تقع فى قلب العالم.. مع تعافي الصين منه مؤخرا..
فقد توقع العديد من المحللين ان تصل الخسائر الاقتصادية الى اكثر من 3 تريليون دولار خسرت فيها اسهم البورصة المصرية اكثر من 100 مليار جنيه خلال اسابيع واكبر 5 بورصات خليجية اكثر من 270 مليار دولار منذ مطلع 2020، وتوقع وصول خسائر شركات الطيران العالمية الى اكثر من 1.5 تريليون دولار .. بالاضافة الى توقع وصول خسائر التصدير عالميا الى اكثر من 50 مليار دولار، وانخفاض اسعار البترول عالميا الى متوسط 30 دولار (بنسبة 50%) مما يعمق خسائر الدول المنتجة له وازدياد عجز موازناتها فى ظل استمرار الاثار السلبية لهذا الفايروس.. حيث وصل الامر الى غلق مدن باكملها (روما –ميلان- مدريد).. ووقف رحلات الطيران من مطارات امريكا من والى مطارات اوروبا لمدة شهر.. وخطاب كل ميريكل متوقعة اصابة 60-70% من سكان المانيا بهذا المرض، وخطاب جونسون بتوقع فقد مزيد من الاحباء بسبب هذا المرض، وكذلك خطاب ماكرون، وتعليق الدراسة والانشطة الرياضية فى العديد من دول العالم ومنها اعتى الدوريات الاوروبية ومما سيترتب عليه تعميق الركود العالمي الذى بدأ مع الحرب التجارية الامريكية منذ أكثر من عام، الامر الذى سيترتب عليه اعادة النظر فى معدلات النمو العالمية المتوقعة خلال 2020 وحركة الاستثمارات والتجارة العالمية..بالاضافة الى ارتفاع تكاليف الشحن والخدمات اللوجيستية نتجية تفشي المرض وازدياد اجراءات الحجر الصحى فى كافة الموانيء البرية والبحرية والجوية..
فنحن مر علينا الكثير من انواع الحروب العسكرية والنووية والحرب الباردة ثم الاقتصادية ثم البيولوجية وكل خلف اثارا مدمرة كثيرة على كافة الاصعدة.. ولاشك ان كل منها له اسباب فى حدوثه بين مؤامرات وصراع على القوة وزيادة مناطق النفوذ ولكها تحكمها الصالح بشتى انواعها… يكفى ان الصين هي اكبر دائن لامريكا والفجوة التجارية لصالحها تبلغ مايزيد على 300 مليار دولار، وتسعى للتخلص من هيمنة الدولار منذ فترة بعد ضم عملتها لسلة العملات المعتمدة دوليا لدى صندوق النقد الدولى، حيث تسعى لاصدار عملة رقمية.. كما انها بدات التخلص من دفع التزاماتها الدولية فى مجال استيراد البترول من خلال ابرام عقود استيراد تحوطية باليوان مقومة بسعر الذهب عالميا وقت ابرام العقود لضمان عدم التذبذب.
وبالعودة الى كل تلك المعطيات المتعلقة بازمة كورونا سنجد ان ما سببته من خسائر كبيرة للدول والشركات جعل تدخل الدولة محتوما للتخفيف من اثارها، فامريكا ضخت 500 مليار دولار فى سوق المال لديها وطالبت كافة الشركات العالمة فى المجال الطبي والدوائى للجلوس مع الحكومة للوصل على حلول لعلاج هذ المرض وعلقت الدراسة بكافة صورها، ومصر خصصت 100 مليار جنيه لمواجة الاثار السلبية له (منها 20 مليار للبورصة المصرية)، وسبقتها دول الصين وايطاليا والعيدد من الدول.. وها مايتطلب تكاتف دولى لوأد هذا المرض على جانب الجهود المحلية..
ولكن من رحم الازمات تخلق الفرص – وبالبلدى كدة الشاطر اللى يقش؛ فالصين اشترت العديد من الشركات التى انهارت اسهمها او اختل وضعها الاقتصادي رغم الازمة التى مرت بها لكن ثمار سنوات طويلة من النمو والتجارة كاكبر ثاني اقتصاد عالمي بعد امريكا خلق لديها احتياطي نقدي كبير يفوق 3 تريليون دولار مما يساعدها على تقديم العون لشركاتها وشراء الشركات التى انخفضت قيمتها يقينا منها على انجلاء الازمة فى الامد المتوسط واستعدادها من الان لاعادة ترتيب اوراقها ومكانتها اقليميا وعالميا repositioning . ولن تنسى الصين ما فعلته مصر فى الوقوف بجانبها فى عز ازمتها.. ولعلى استغل مقالتى هنا بنصح الرئيس السيسي والحكومة على تشجيع اقامة مناطق صينية / كورية/ يابانية صناعية فى مصر فقد قلت منذ زمن Go East بالتركير على اجتذاب رؤوس الاموال والشركات من شرق اسيا كمركز لهم للاستفادة من السوق الافريقية الكبيرة وهو ما يتطلب تقديم حوافز تنافسية مختلفة.
الامر الذي ينقلنى للحديث عن كيفية استفادة مصر من هذه الازمة وما خلفته من اثار سلبية عالميا واقليميا ومحليا.. فانخفاض سعر الدولار لاكثر من30 دولار هابطا بقوة من 60 دولار الى 29 دولار خلال الاسبوع الماضي (ومتوقع وصوله الى 20 دولار فى حال استمرار الازمة) ونحن كدولة مستوردة صافية للبترول سيكون له اثر كبير على تحقيق فائض ضخم فى الموازنة المصرية اذا استمرت الاسعار عند هذا المستوى المنخفض.. حيث ان انخفاض سعر البترول بمقدار 1 دولار سيوفر للموازنة 4 مليار جنيه .. وهو مايعنى ان انخفاض سعر البترول الى متوسط 30 دولار سيوفر فى حدود 120 مليار جنيه وبالتالى سيكون له اثر كبير على سعر الصرف الذى انخفض على مدار عام كامل الى 15.50 فى المتوسطة بعد ان وصل الى اكثر من 18 جنيه للدولار منذ اكثر من عامين قبل ان يستقر عند مستويات 17.70- 17.80 لفترة زمنية طويلة.. ورغم عودتها الى الارتفاع قليلا بسبب الاحداث العالمية من كورونا وتباطؤ عالمي فى ظل الحرب التجارية بين امريكا والصين.. فهذا الوفر سيكون له اثار ايجابية كبيرة على سعر الصرف بالانخفاض لصالح الجنيه من جانب وعلى عجز الموازنة من جانب اخر وعلى تكلفة الدين المحلى والخارجي من ناحية ثالثة وسيعوض الاثار السلبية لانخفاض الموارد الدولارية فى الفترة القادمة بسبب ما يحدث فى الاقتصاد العالمي.. كما سيساعد الدولة على توجيه مزيد من الانفاق على الخدمات التى تهم المواطن من صحة وتعليم ومرافق مع استمرار هذا الوفر وهو امر يهم المواطن والدولة معا.. ولاسيما مع انخفاض تكاليف التمويل بعد خفض البنك المركزى المصرى للفائدة بمقار 3% بعد خفض الاحتياطى الفيدرالى الفائدة على الدولار الى صفر وغيرها من الحزم التى اقرها البنك المركزي والحكومة مؤخرا.
وعلى مستوى اسعار المحروقات فانها ستنخفض بالتبعية بشكل كبير خلال الفترة القادمة، ويعد حاليا الوقت الانسب للحكومة لتخفض اسعار الطاقة بشكل اعنف، ولاسيما اسعار الغاز للمصانع حيث وصل سعره عالميا بعد الانخفاض الى 1.6-1.7 دولار بينما يقدم فى مصر للمصانع باكثر من 5 دولار.. وهو ما سينعكس لاحقا على اسعار السلع والخدمات..
كما انصح الدولة بتطبيق الية تسعير للكهرباء والمرافق اسوة بما يحدث باسعار المحروقات ومراجعتها كل 3 اشهر حتى يشعر المواطن بالمصداقية وان آلية العرض والطلب تحكم التسعير.. بالاضافة الى ترشيد نفقات انتاجها من كافة انواع المرافق..
وهنا، ادعو هنا الحكومة المصرية الى استيراد البترول وتخزينه فى ظل الاسعار المنخفضة للغاية له حاليا كما تفعل الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للغاز لا ضرر فى استيراده الان فى ظل انخفاض اسعاره عالميا وتخزين ما يتم انتاجه ايضا كاحتياطى.. وهو حذو حميد يمكن تطبيقه فى كافة السلع التى انخفض سعرها عالميا ومصر فى حاجة لها.. بمنطق اقتناص الفرص من رحم التحديات.. كما اصبح الجو مواتيا للمضي قدما فى التحول الرقمي..
مما لاشك فيه ان الدولة المصرية استعادت ثقة الأغلبية العظمي من الشعب مرة اخرى بكافة فئاته ومؤسساته.. فرب ضارة نافعة… ان ما مرت به مصر من ازمتين متزامنتين (الكورونا والطقس السيء) .. وتعامل الدولة بكل مؤسساتها بداية من مؤسسة الرئاسة الى مجلس الوزراء الى الوزارات والاجهزة التنفيذية بمرونة واستجابة استباقية ولاحقة بحسن توقع ونجاح وانبهار من قبل المواطن.. جعل أمر استعادة الثقة مع المواطن من اهم الملامح الايجابية.. فكان التركيز على المواطن المصري محورا رئيسيا فى عملية ادارة الازمة حتى لغة الخطاب الموجهة له..
واختم بأن تحليل الاثار والفرص لا تكفيه مقالة.. ولكن ماهو موكد أن الامر سيكون له اولوية فى اعادة ترتيب الاولويات فى تحقيق التنمية المستدامة والانفاق الحكومي مستقبلا محليا، وموازين القوة اقليميا وعالميا..
حفظ الله مصر وشعبها.. وتحيا مصر..
وما نبغى الا اصلاحا وتوعية..

اترك تعليقا

اشترك الآن في نشرة تلسكات

أول نشرة إخبارية مسائية فى مصر تطلقها جريدة الاستثمار العربى تأتيكم قبل العاشرة يوميا من الأحد إلى الخميس