يستقبل الاقتصاد العالمي تحولًا غير مسبوق، إذ يشهد العالم عصرًا تقنيًا جديدًا يعيد تشكيل طرق الإنتاج، ويفرض على الحكومات وأصحاب الأعمال والموظفين الاستعداد لمواكبة طفرات تكنولوجية متسارعة. ويؤكد هذا التحول أهمية تطوير المهارات البشرية لضمان الاستفادة من المكاسب الهائلة المرتبطة بهذه التكنولوجيا، مع مواجهة المخاطر والتحديات المصاحبة لها.
تهدف مصر إلى أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، بما يعادل نحو 42.7 مليار دولار، إذا بلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 550 مليار دولار.
كما تستهدف الدولة تخريج أكثر من 30 ألف مختص ومهني في مجالات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطوير البنية التحتية الرقمية ودعم الشركات الناشئة في هذا القطاع.

أنيس: الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يضاعف إنتاج المصانع بنحو 50%
أكد محمد أنيس، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد ومحلل الاقتصاد الكلي، أن الذكاء الاصطناعي ليس علمًا حديثًا، إذ يُدرَّس في كليات الهندسة منذ أواسط السبعينيات، وفي كليات الحاسبات والمعلومات منذ منتصف التسعينيات، مشيرًا إلى دخوله في قطاعات صناعية مدنية وعسكرية متعددة.
أوضح أنيس أن الازدهار الكبير خلال العامين الأخيرين يختلف عما كان سائدًا، نظرًا لاعتماده على قدرات متطورة في الهاردوير وقوة حاسوبية ضخمة غير مسبوقة، ما جعل تطبيقات الذكاء الاصطناعي أكثر تقدمًا وتأثيرًا.
كشف أن الذكاء الاصطناعي لم يحقق مساهمة تُذكر في معدل النمو الاقتصادي المصري خلال عام 2024 – 2025 الذي سجل نحو 4.4%، مؤكدًا أن الفرص المستقبلية بلا سقف، وأن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي قد يحدث طفرة اقتصادية هائلة في الحجم والبنية.
وأشار إلى أن التحول الرقمي وقواعد البيانات يسهمان في تسريع العملية الإنتاجية، موضحًا أن مصنعًا ينتج بما قيمته 100 مليون دولار يمكنه زيادة إنتاجه إلى 150 مليون دولار عبر استثمار يتراوح بين 300 و400 ألف دولار في تدريب روبوتات الذكاء الاصطناعي والاعتماد على الـGPU بديلًا عن الـCPU، ما يعني زيادة بنحو 50% عبر استثمار جزئي يخصص للتقنيات الذكية.
وأشار أنيس إلى تغير بنية الاقتصاد الأمريكي خلال العقود الأخيرة، حيث أصبحت الخدمات التكنولوجية تمثل نحو 70% من الاقتصاد منذ ثورة الإنترنت، لافتًا إلى أن الشركات الأعلى قيمة حاليًا مثل آبل ومايكروسوفت وألفابت وإنفيديا وأمازون وميتا وتسلا، ظهرت خلال الثلاثين عامًا الماضية، بعد أن كانت شركات السيارات والطاقة في الصدارة مثل جنرال موتورز وفورد وموبيل.
وأوضح أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تعتمد على سوفت وير يعمل بهارد وير يُصنع في أمريكا وتايوان وكوريا الجنوبية فقط، مؤكدًا محدودية المعروض من الشرائح الإلكترونية مقارنة بحجم الطلب العالمي.
وتوقع أن يشهد العالم خلال السنوات الخمس المقبلة انتشارًا واسعًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في معظم القطاعات، بهدف رفع الإنتاجية وتقليل التكلفة، مع توفير العمالة ومصاريف التشغيل، بما يحقق إطارًا جديدًا للثورة الصناعية الرابعة على غرار ما حدث منذ ثلاثة عقود مع دخول الميكنة.
وأكد أن الدولة لا تتأخر في توفير الكوادر البشرية في مجال تكنولوجيا المعلومات، موضحًا أن مصر تقع في الفئة المتوسطة عالميًا من حيث كفاءة الموارد في هذا المجال، مع ضرورة استمرار دعم رأس المال البشري والاستثمار في البنية التحتية الرقمية، باعتبار التحول الرقمي والشمول المالي حجر الأساس للنمو المستقبلي.

النحاس: الذكاء الاصطناعي في مصر يقتصر حاليًا على البحث كمستخدم وليس كمطور
أوضح وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مصر يقتصر حاليًا على البحث كمستخدم وليس كمطور، بينما يُستخدم في الخارج كأداة أساسية ضمن تطبيقات متعددة مثل أمازون لخدمة العملاء، إلى جانب مجالات التعليم والمال والإعلام.
وأشار إلى إمكانية منافسة مصر كمستخدم لبعض التطبيقات وإعادة تطويعها كبرمجيات، بما يتيح شراكات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي عبر تطوير العقول القادرة على تصدير خبراتها للخارج، ما يسهم في جذب العملة الصعبة. وشدد على ضرورة توظيف طاقات الشباب واقتحام المجال، مؤكدًا امتلاك مصر ثروة بشرية تفتقر إليها دول الخليج رغم امتلاكها الموارد المالية.
ولفت إلى جهود وزارة الاتصالات في هذا الاتجاه، ومنها إنشاء جامعة متخصصة في العاصمة الإدارية، إلى جانب مبادرات لتعليم الأطفال إدارة البيانات والذكاء الاصطناعي مثل “أجيال مصر الرقمية”.
وأوضح النحاس أن مؤسسات الدولة ستفعل الذكاء الاصطناعي بتمويل ذاتي وفق إمكانياتها، مع احتمال تقديم الدولة قروضًا بلا فوائد لدعم هذا التحول. لكنه أكد أن تطوير هذه التطبيقات يحتاج إلى إنفاق مستمر باعتباره مجالًا سريع التطور ويصعب تحديد احتياجاته التمويلية مسبقًا.
وأشار إلى دخول دول مثل السعودية والإمارات مجال الحوسبة السحابية المدعومة بمسرعات للذكاء الاصطناعي، بعد حصولهما على شراكات رئيسية مع الولايات المتحدة، في حين لا تزال إمكانيات مصر غير مؤهلة للمنافسة في هذا الجانب. وعزا ذلك إلى حاجة هذه التكنولوجيا لطاقة قوية ومياه محلاة لتبريد مفاعلات الذكاء الاصطناعي.
وأكد أن المرحلة المقبلة قد تشهد صراعًا على الطاقة والمياه بسبب الذكاء الاصطناعي، لافتًا إلى أن سد النهضة في إثيوبيا يرتبط باستخدام المياه لتوليد الطاقة، ما يفسر الدعم الأمريكي له. وأشار إلى أن الشركات الكبرى تنشئ محطات حول العالم لدعم اللامركزية في اتخاذ القرار ومنع احتكار شركة واحدة لتوجيه الذكاء الاصطناعي.
كما أوضح أن الإمارات تمتلك مفاعلًا نوويًا بقدرة اسمية 10 جيجا، إضافة لمحطات رياح، وأن بعض استثماراتها في مصر تستهدف الحصول على الطاقة لاستخدامها في الإنتاج.

عسكر: الدولة تسعى عبر أجهزتها لتوفير الدعم لمستخدمي الذكاء الاصطناعي
رأى طاهر أمين عسكر، استشاري الذكاء البحثي والاصطناعي، أن الدولة تسعى عبر أجهزتها لتوفير الدعم لمستخدمي الذكاء الاصطناعي، وإنشاء كليات متخصصة نظرًا لدوره في رفع الإنتاجية. وأوضح أن عددًا من المصانع بدأ بالفعل في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتقليل العمالة، حيث أصبحت آلات ومعدات التعبئة والتغليف تعمل بهذه التقنيات.
وأشار إلى توجه الخدمات الحكومية نحو التحول الرقمي عبر إطلاق منصات إلكترونية وتقديم خدمات مدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل “تشات بوت”.
وأكد عسكر أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يسهم في خلق وظائف جديدة داخل المجتمع، من بينها محللو البيانات وكُتاب المحتوى ومصممو الجرافيك، في حين قد تختفي بعض الوظائف التقليدية إذا لم يتمكن أصحابها من تطوير مهاراتهم. ولفت إلى أن هذه التحولات قد تحمل آثارًا سلبية يمكن تجاوزها عبر مواكبة التطور والتكامل بين الإنسان والتكنولوجيا.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي مهما تطور لن يحل محل العقل البشري في المجالات الإبداعية مثل كتابة المحتوى، لكنه يشكل تهديدًا للوظائف الروتينية التي تفتقر للإبداع كوظائف التعبئة والتغليف.
ودعا إلى نشر ثقافة الذكاء الاصطناعي داخل المصانع كلٌ وفق طبيعة عمله، بهدف رفع الإنتاجية وزيادة الاستثمار وتوفير الوقت، بما يتيح مضاعفة معدلات الإنتاج.
وتوقع أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي عالميًا إلى 1.85 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقًا لبيانات مركز المعلومات ودعم القرار.
مساهمة الذكاء الاصطناعي في رفع معدلات النمو الاقتصادي
ذكر المجلس الوطني المصري للتنافسية أن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي العالمي بمتوسط 1.2 نقطة مئوية سنويًا حتى عام 2030.
ووفقًا لتقديرات شركة الاستشارات العالمية ماكينزي، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي – وهو أحد أشكال الذكاء الاصطناعي القادرة على إنتاج محتوى جديد مثل النصوص والصور والموسيقى، على عكس الأنظمة التقليدية التي تقتصر مهامها على التحليل – قد يرفع نمو الإنتاجية العالمية بنسبة تتراوح بين 0.1% و0.6% سنويًا حتى عام 2040.
وأشارت ماكينزي إلى أن هذه التكنولوجيا المبتكرة يمكن أن تضيف ما بين 2.6 تريليون و4.4 تريليونات دولار سنويًا إلى الاقتصاد العالمي، وهو ما يعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي لدولة بحجم المملكة المتحدة.
وفي منطقة الشرق الأوسط، تشير التوقعات إلى أن مساهمة تقنيات الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي قد تبلغ نحو 320 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030. ومن المنتظر أن تحقق السعودية النصيب الأكبر بقيمة تتجاوز 135.2 مليار دولار، بما يعادل نحو 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تُسجّل الإمارات أعلى نسبة من حيث المساهمة المتوقعة بحوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=449604
