تُخلِّف الصراعات المسلحة والحروب دمارًا، ليس فقط على المستوى الإنساني، بل على المادي أيضًا. ويزدهر من بين أنقاض الدمار أملٌ جديد لإعادة الإعمار، إذ تم توقيع اتفاقية وقف الحرب في غزة من قلب الدولة المصرية، بحضور قيادات دولية تعاونت لوضع حد للعدوان الإسرائيلي.
وتقف مصر في مقدمة الدول التي حملت على عاتقها مسؤولية إعمار قطاع غزة بعد الدمار الذي تسببت به إسرائيل، وتبدأ عملية الإعمار لتوفير مكان مناسب للحياة للنازحين من أنحاء القطاع.
وتمتلك مصر بنية تحتية صناعية قوية، جاهزة لتوفير شتى أنواع الدعم للقطاع المنكوب بقيادة الكفاءات المصرية الصناعية والهندسية والتي أظهرت نجاحها في دعم البنية التحتية طوال طريق التنمية.
قال كامل الوزير، وزير الصناعة، إن الشركات المصرية أمامها فرصة حقيقية لتشغيل خطوط إنتاجها المعطلة والبدء في مشروعات جديدة بقطاع المقاولات ضمن خطة إعادة إعمار غزة.
وخلال العام الجاري طرحت مصر خطة تبلغ تكلفتها التقديرية نحو 53 مليار دولار، وتشمل في مرحلتها الأولى إزالة نحو 50 مليون طن من الركام، وتركيب مساكن مؤقتة، إلى جانب ترميم 60 ألف وحدة سكنية مدمرة جزئيًا.
وتتضمن المرحلة الثانية من المشروع بناء 200 ألف وحدة سكنية جديدة لاستيعاب نحو 1.6 مليون شخص، فضلًا عن إنشاء مطار وميناء تجاري ومناطق صناعية ولوجستية، إلى جانب فنادق على الشاطئ، بما يسهم في دعم التنمية الاقتصادية المستقبلية للقطاع.
جمال الدين: إنتاج مصر من الحديد والأسمنت قادر على تغطية إعمار غزة بالكامل
قال وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديري لمواد البناء، إن الإنتاج المحلي من الحديد والأسمنت قادر على تغطية احتياجات إعادة إعمار قطاع غزة بالكامل، موضحًا أن المصانع تعمل حاليًا بنحو 60% من طاقتها الإنتاجية، وعند تشغيلها بكامل طاقتها يمكنها توفير احتياجات القطاع في المرحلة الأولى، ثم تقليل حصص التصدير إلى أسواق أخرى بعد عامين أو ثلاثة أعوام، مع توريد المواد بنفس أسعار التصدير الحالية.
وأوضح لـ”الاستثمار العربي” جمال الدين أن المرحلة الأولى من الإعمار تحتاج إلى كميات محدودة من الحديد، نظرًا لأنها تشمل مرحلة الأساسات، بينما تزداد الكميات المطلوبة في مراحل البناء اللاحقة التي تتضمن إقامة الأدوار الخرسانية.
وأشار إلى أن حجم مواد البناء المطلوبة يتوقف على الجدول الزمني لخطة الإعمار، لافتًا إلى أن التنفيذ لن يبدأ إلا بعد إزالة الأنقاض التي تمثل التحدي الأكبر بسبب ضخامتها وعدم توافر أماكن كافية لتجميعها، موضحًا أن العمل الفعلي في الإعمار سيبدأ فور تحديد الجهات الممولة للمشروع.
البستاني: المسؤولين عن الإعمار هم المقاولون المصريون وليس المطورون العقاريون
قال محمد البستاني، رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية، إن إعادة إعمار غزة تتطلب أولًا الوصول إلى تسوية سياسية لحل الصراع، ووضع خطة متكاملة تشمل شقين، أحدهما قصير المدى والآخر طويل المدى، موضحًا أن الشق القصير يتمثل في توفير خيام أو مراكز إيواء للمواطنين لحين الانتهاء من أعمال البناء، بينما يتضمن الشق الطويل إنشاء المباني والوحدات السكنية، وهي عملية قد تستغرق نحو خمس سنوات.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ”الاستثمار العربي” أن المسؤولين عن إعادة الإعمار هم المقاولون المصريون وليس المطورون العقاريون، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك اتحاد مقاولين قويًا إلى جانب شركات القوات المسلحة، فضلًا عن امتلاك شركات المقاولات المصرية خبرات واسعة ومشروعات ناجحة في دول أفريقية متعددة.
وأكد أن تنفيذ عملية الإعمار يتطلب عددًا من الخطوات الأساسية، من بينها توفير التمويل من خلال صندوق تمويل عالمي يضم مساهمات من الدول الداعمة لإعادة الإعمار، إلى جانب البدء في إزالة الركام والأنقاض كمرحلة أولى ضرورية قبل الشروع في أعمال البناء. الركام
واقترح البستاني استغلال الركام الناتج عن الدمار في ردم جزء من الشاطئ لزيادة مساحة قطاع غزة، وبناء وحدات إضافية على غرار مشروع “نخلة جميرا” في دبي، مشيرًا إلى إمكانية الاستعانة بكبرى المكاتب الاستشارية المصرية لتنفيذ هذه الرؤية.
وشدد على أهمية توافق مخططات البناء في المناطق غير المدمرة بالكامل مع طبيعة المباني القائمة، موضحًا أن المناطق التي ما زال نحو 50% من مبانيها قائمة يجب استكمالها بنفس التصميم لضمان التجانس المعماري.
وأشار إلى أن شركات المقاولات ستبدأ أولًا ببناء الوحدات السكنية، ثم إنشاء المستشفيات والمصالح الحكومية والمطارات، مع إمكانية التوجه لاحقًا إلى إنشاء مدن سياحية على الشواطئ لتكون مصدر دخل مستقبلي لقطاع غزة، لافتًا إلى أن الشركات المصرية ستعتمد على العمالة المحلية بالتعاون مع العمالة المصرية في تنفيذ تلك المشروعات.
فؤاد: إعمار غزة سينشط الخدمات ما يعزز تدفقات العملة الأجنبية ويزيد من حصيلة الضرائب غير المباشرة
قال محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، إن برنامج إعادة إعمار غزة سينشط الخدمات اللوجستية في موانئ شرق التفريعة والعريش والإسماعيلية، إضافة إلى خدمات النقل والتأمين والتمويل التجاري، بما يعزز تدفقات العملة الأجنبية ويزيد من حصيلة الضرائب غير المباشرة.
وأوضح لـ”الاستثمار العربي” أن أدوات السوق المالي ستلعب دورًا متناميًا من خلال إصدار صكوك أو سندات إعمار بضمانات جزئية، أو عبر إنشاء صناديق ائتمانية متعددة المانحين لضمان الشفافية والحوكمة.
وأشار فؤاد إلى أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تمثل فرصة لتمويل مشروعات البنية التحتية والطاقة والإسكان وفق نموذج المطورين، مع إمكانات كبيرة للاستعانة بالصكوك كأدوات تمويلية مبتكرة.
ولفت إلى أنه لضمان نصيب عادل لمصر من عقود الإعمار وسط المنافسة من تركيا وقطر والإمارات، يجب تحويل الميزة الجغرافية إلى أداة تنافسية عبر إنشاء “ممر إعمار” من العريش إلى رفح، وتفعيل نظام النافذة الموحدة للتخليص الجمركي، إلى جانب إقامة مجمعات تصنيع مسبق في سيناء لتقليل تكاليف النقل وزمن التسليم.
وأكد ضرورة دعم المقاولين المصريين ببرامج ضمان ائتمان صادرات وتمويل رأس المال العامل بالدولار، وإبرام اتفاقيات إطار مسبقة مع الأمم المتحدة والبنك الدولي لتسريع دخولهم في العطاءات. وأوضح أن تحقيق الشركات المصرية نسبة تتراوح بين 20 و25% من حجم برنامج الإعمار يمكن أن يولد ما بين 20 و70 ألف فرصة عمل سنويًا، ويوفر قيمة مضافة تتراوح بين 0.8 و2.2 مليار دولار سنويًا تقريبًا.
زكي: إعمار غزة سيؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات المصرية
قال أحمد زكي، الأمين العام لشعبة المصدرين، إن إعادة إعمار غزة تعني بناء دولة جديدة بالكامل، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات المصرية من مواد البناء والأدوات الكهربائية والمواد الغذائية وغيرها، نظرًا لانخفاض تكلفة النقل من مصر إلى غزة مقارنة بباقي الدول. وتوقع أن ترتفع الصادرات المصرية في المراحل الأولى لعمليات الإعمار بنسبة تتراوح بين 15 و20%.
وأشار في تصريحات خاصة لـ«الاستثمار العربي» إلى أن زيادة الصادرات تمثل فرصة لتشغيل خطوط إنتاج جديدة في المصانع المصرية لتلبية الطلب المتزايد، متوقعًا أن تصل إجمالي العوائد من برنامج إعادة الإعمار إلى نحو 9 إلى 10 مليارات دولار.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=448106
