هكذا تتحوط مصر منها.. «تقلبات النفط» تجبر الاقتصاد العالمي لتبني «حلول بديلة»
أسعاره المتوقعة خلال 2022 تثير جدلاً..
تقلبات النفط أمر معهود وتتحسب له دول العالم، فالخام لا تهدأ له سريرة، متقلب من حال لحال، فتارة ينخفض بفعل الأزمات ليخلق المزيد منها، وتارة أخرى يرتفع لحدود تقلل الطلب عليه، وفي كلتا الحالتين الخسائر تسود العالم.
ومع ظهور فيروس كورونا، تأثر الطلب على الخام بأنواعه وخصوصًا الخامين الأهم عالميًا (برنت وغرب تكساس)، حيث تذبذبت أسعار النفط واتجهت الدول للتخزين الاستراتيجي بشكل شبه خفي، وما زالت الحكومات تترقب قرارات دول الأوبك خلال العام المقبل، إذ يحتاج العالم إلى المزيد من الإنتاج لتعويض النقص في الإمدادات التي أثرت على أهم القطاعات الاقتصادية حول العالم وأبرزها الصناعة.
أسعار النفط عالميًا
وخلال الأسبوع الجاري، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 0.82 سنتا أو 1.09% إلى 74.19 دولارًا للبرميل.
كما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 1 دولارا أو 1.36% إلى 71.4 دولار للبرميل. ويتجه برنت صوب خسارة بنسبة 1% هذا الأسبوع في حين يبدو أن خام غرب تكساس الوسيط سينهي الأسبوع مستقرًا.
وسجلت أسعار النفط 73.52 دولارًا للبرميل وذلك للعقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت، كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 70.86 دولارًا للبرميل.
أسباب تقلبات النفط العالمية
وعدّد الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأميركية، التحديات التي تؤثر على سوق النفط العالمي، أبرزها الموجات المتلاحقة لكورونا وعدم الحصول على التطعيمات وظهور متحورات جديدة وعدم وجود توقعات بانحسار الجائحة، ما يعد عاملاً سلبيًا في نظام تسعير النفط أو في التحكم بأسعار النفط.
ويتم تداول مزيج “برنت” العالمي عند مستوى 74 دولارا للبرميل، مع زيادة الإصابات بالمتحور أوميكرون، وزيادة التوترات السياسية بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي، إضافة إلى تضاؤل احتمالات زيادة صادرات النفط الإيرانية.
أسعار النفط المتوقعة خلال العام الجديد
هذا، واختلفت الرؤى حول توقعات أسعار النفط العالمية خلال العام الجديد، إلا أن جميع الآراء اتفقت على أن الخام يتجه صوب أزمة مرهونة ببعض المتطلبات التي إذا تحققت ستنجو الدول من تداعيات اقتصادية سلبية، إذ توقع الدكتور جمال القليوبي، أستاذ البترول، أن يظل النفط في حدود قد لا تقل عن 70 دولارًا للبرميل، مستبعدًا أن يصل سعر البرميل إلى ما دون الـ 60 دولارًا، حيث استشهد بزيادة الطلب على الخام وحاجة الدول للمزيد منه.
واتفاقًا مع هذا الرأي، رجحت مؤسسة موديز للتصنيف الائتمانى، أن تبقى أسعار النفط العالمية “أعلى من منتصف نطاق توقعاتنا للأجل المتوسط البالغ 50-70 دولارًا للبرميل”.
وأضافت وكالة سي إن إن، أن أسعار النفط المرتفعة في 2022 ستدعم تدفقًا نقديًا قويًا للصناعة حول العالم، لكن المنتجين سيحافظون على انضباط رأسمالي، مؤكدة أن آفاق صناعة النفط والغاز العالمية على مدار الإثنى عشر إلى الثمانية عشر شهرًا المقبلة مستقرة.
على خلاف ذلك، أوضحت مذكرة بحثية أعدها خبراء لدى دويتشه بنك، أن أسعار النفط ارتفعت خلال عام 2021 عقب تطبيق سياسات إعادة فتح الاقتصادات العالمية عقب فترة إغلاق بسبب جائحة كورونا، لكنهم حذروا من انخفاض أسعار النفط الخام إلى ما دون 60 دولارًا لبرميل النفط الأمريكي، و64 دولارًا لبرميل خام برنت، حال زيادة المعروض بالأسواق خلال العام الجديد.
ارتفاع أسعار النفط
وأكد الدكتور جمال القليوبي، في تصريحات خاصة لـ”الاستثمار العربي”، أن أسعار النفط زادت بعد ظهور متحور أوميكرون، كما أسهم اتجاه اقتصادات العالم إلى الانفتاح مجددًا وزيادة العقود طويلة الأجل في زيادة أسعار النفط إلى ما يزيد عن 75 دولارًا للبرميل، وهو ما يعد مؤشرًا إيجابيًا في سوق النفط إذا لم يخرج عن حدوده المعتادة.
ويقلل ارتفاع أسعار النفط من خسائر الحكومات ومن زيادة الطلب العالمي على النفط ما يعزز اقتصادات الدول المنتجة وزيادة العقود طويلة الأجل وبالتالي زيادة الاستثمارات في التنقيب والاستكشاف، كما أن ارتفاع الأسعار قد يسبب أزمات لدول بعينها والتي تعتمد على استيراد الخام ونظم تشغيل صناعية تعمل بالوقود الأحفوري.
وبالفعل، صعدت أسعار النفط خلال الأسبوع المنتهي بعد أن رفعت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، سعر البيع الرسمي للخام العربي الخفيف إلى آسيا والولايات المتحدة لشهر يناير المقبل بواقع 80 سنتا مقارنة بالشهر السابق.
ورفعت السعودية أسعار خامها المباع تزامنا مع وصول المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن إحياء الاتفاق النووي إلى طريق مسدود فيما يبدو.
وارتفعت العقود الآجلة لخام “برنت” بنسبة 2.22% إلى 71.43 دولار للبرميل، فيما صعدت العقود الآجلة لخام “غرب تكساس الوسيط” الأمريكي بنسبة 2.43% إلى 67.87 دولار للبرميل، وفقا لبيانات موقع “بلومبرغ”.
كما تلقت الأسعار دفعة بفعل تضاؤل احتمالات زيادة صادرات النفط الإيرانية بعد توقف المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
مخاوف يترقبها العالم
نظرًا لما يترقبه العالم من مخاوف قد تمدد الأزمة الاقتصادية العالمية، شدد أستاذ هندسة البترول بالجامعة الأمريكية، أن المحدد الرئيسي لاستقرار سوق النفط من عدمه يتوقف على مدى استجابة دول الأوبك للمطالب العالمية، وهل سيكون هناك نظامًا آخر للتنسيق بين الأوبك والأوبك بلس، وهل سيكون هناك طلبًا على النفط يزيد عن معدل 6.5 ملايين برميل التي تمثل معدل نقص الإمدادات في السوق حاليًا؟.
ومن جهة أخرى، أوضح خبراء دويتشه بنك أن الطلب على النفط الخام بالأسواق قد يرتفع إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا في العام المقبل، لكن المخاطر الهبوطية قد تؤثر على أسعار النفط الخام، وبخاصة مع مخاوف متحور أوميكرون الجديد وتأثيره على الاقتصادات العالمية واحتمالية إعادة فرض قيود الإغلاق مجددًا.
كما حذرت تقارير إعلامية عالمية، من أن تراجع أسعار النفط بما يعد خسارة أسبوعية مع تزايد الإصابات بمتحور أوميكرون، يثير مخاوف من من فرض قيود تؤثر على الطلب على الوقود.
دول العالم تلجأ إلى التخزين الاستراتيجي
وفي خضم حربها ضد تقلبات النفط، بدأت الكثير من الحكومات اللجوء إلى عمليات التخزين الاستراتيجي، والذي كان مقتصرًا على الولايات المتحدة، وبحسب الدكتور جمال القليوبي، تفاجأ العالم بدخول الصين واليابان والهند بالدول التي نجحت في امتلاك مخزون استراتيجي كبير، “فهذه الدول أصبح لديها وقائيات من تقلبات أسعار النفط”.
وأوضح أستاذ هندسة البترول، أن عدد من الدول النامية تحرص حاليًا على تطوير بنيتها التحتية لتوفر مخازن استراتيجية تستوعب كميات أكبر من الخام، ترقى بأن تواجه هذه التقلبات وتؤمن اقتصاداتها من ارتفاع الأسعار المفاجئ للنفط.
زيادة الطلب على النفط خلال 2022
ومع التأثيرات السلبية للجائحة على قدرة الدول لطلب النفط، وتأثر هذه الصناعة الهامة والاستراتيجية بالأزمة الاقتصادية العالمية، أبرزت أغلب التوقعات أن يزيد الطلب على النفط بداية من العام الجديد لتعويض النقص وزيادة المخزون لدى الحكومات .
اقرأ المزيد : بـ35 مليار دولار.. «تويوتا» تنافس «تسلا» في صناعة السيارات الكهربائية
مصر تتحوط ضد تقلبات النفط
ومحليًا.. لا تسلم مصر من تبعات تقلبات النفط، إلا أنه وبحسب الدكتور جمال القليوبي، فإن القيادة السياسية الحالية، تحوطت من هذه التقلبات، فقد بدأت الحكومة في توفيرمخزون استراتيجي وصل إلى مليون برميل، يؤمن الدولة من 4 إلى 6 أشهر قادمة.
وأضاف أن مصر اتجهت لتبني حلولاً بديلة للوقود الأحفوري، منها التحول إلى الغاز الطبيعي، وهو ما يقلل من استيراد خام النفط من الخارج كما يقلل استهلاك الوقود البترولي محليًا، مؤكدًا أن مصر أصبح لديها قدرات للتصنيع المحلي داخل معامل تكرير مصرية، تعمل على إنتاج وقود مصري 100% بحلول 2023.
تحركات دول الأوبك المحتملة
ولأن تسعير الخام يتوقف على حجم إنتاجه عالميًا، فقد مثّل قرار أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤهم في إطار تحالف أوبك بلاس، فى اجتماعهم الوزاري الـ23 المنعقد الخميس الماضي، بمواصلة الالتزام بالخطة الحالية للإنتاج التي تستهدف زيادة إنتاج النفط تدريجيًا، رغم تزايد حاجة الدول على إثر الجائحة – تهديدًا بانخفاض حجم العقود الآجلة وتراجع الطلب على الخام، وعلى الأثر تراجعت الأسعار إلى أدنى مستوى لها منذ نهاية أغسطس.
وأشارت الورقة البحثية الصادرة عن دويتشه بنك، إلى أنه من المقرر أن يضيف تحالف أوبك + ما لا يقل عن 2.1 مليون برميل يوميا قريبا، بأكثر من التوقعات التي كانت تقتصر على 1.9 مليون برميل خلال الفترة المقبلة، وأنه مع التزام أوبك+ بزيادة الإمدادات المقررة لشهر يناير، فإن هناك مخاطر بانخفاض أسعار النفط الخام.
وكان قد تم الاتفاق خلال اجتماع أوبك+ على مواصلة زيادة الإمدادات بنحو 400 ألف برميل يوميًا. كما اتفق التحالف على أن يظل الاجتماع في حالة انعقاد لمتابعة تطورات الوضع الوبائي ومراقبة تبعاته على السوق وإجراء تعدیلات فورية إذا لزم الأمر، كما تم التأكيد على الأهمية الحاسمة للالتزام بالمطابقة الكاملة وآلية التعويض بالنسبة للدول الأعضاء التحالف.
وسيستمر تحالف أوبك بلس فى هذه التعديلات في الإنتاج حتى التخلص التدريجي من تخفيضات في الإنتاج تبلغ 8. 5 ملايين برميل يوميًا على أن يتم تقييم وضع السوق وأداء الدول المشاركة مجددا في الاجتماع الوزاري المقبل.
أسعار وهمية خلال 2050
فيما رجحت شركة النفط “لوك أويل” ارتفاع سعر برميل النفط بحلول منتصف القرن إلى 380 دولارا للبرميل، مشيرة إلى أن مدفوعات مرتبطة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ستشكل جزءا كبيرا من السعر.
وقالت “لوك أويل” الروسية في عرض عن سيناريو طويل الأجل للشركة: “في سيناريو التحول (الابتعاد عن النفط) سيؤدي ارتفاع أسعار ثاني أكسيد الكربون والتضخم إلى زيادة أسعار النفط العالمية إلى 380 دولارا للبرميل”.
وأشارت “لوك أويل” إلى أن التضخم ومدفوعات مرتبطة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ستؤثر بشكل كبير على سعر برميل النفط.
الرابط المختصر: https://estsmararabe.com/?p=60877